الشيخ فرح ودتكتوك
الشيخ فرح ودتكتوك عاش فى سنار فى زمن مملكة الفونج فى النصف الثانى من القرن السابع عشر، وهو من قبيلة البطاحين، يحب العلم والعلماء، وقد اشتهر بين قومه بالحكمة، فكان الناس يتناقلون كلماته، ويشعفون بكل ما يأتى به من أقوال وحركات، يحكى أنه نزل فى مرة فى حلبة الرقص حيث كان يوجد بعض السكارى والصعاليك الذين لعبت الخمرة بعقولهم ، فاخذوا يتصاحون ويرقصون فى صخب جامح، فتمنطق الشيخ فرح بعمامته، وأخذ يرقص معهم ، فاقبل عليه بعض محبيه، يستفسرون عن السبب الذى جعله ينخرط فى سلك هذه الشلة الفاسدة وهو الشيخ المتصوف الورع. فاشار الشيخ فرح بأسلوبه الحكيم، اصغوا أيها الناس إلى موسيقاهم، وضربات نوباتهم كأنها تقول " كم كبت وكم تكب ، وكم كبت وكم تكب." وهكذا أخذ الشيخ فرح يردد هذه الالفاظ، ويرقص على نغماتها، ولعل من هنا أتى المثل الشعبى الذى يردده "يغنى المغنى وكل حد على هواه" وبمرور الزمن صار الشيخ فرح كأنه شخصية اسطورية، تنسب إليه كل كلمة صائبة وكل كلمة طريفة حتى ملأ صيته الآفاق، ولهجت الالسن فى كل بقعة من بقاع السودان بنوادره الطريفة ومما لا شك فيه أن سبب شهرة الشيخ فرح هو نظراته الواقعية الى الحياة، وفهمهه العميقلنفسية الناس الناس كان يحيطون به فى تلك الفترة، فكان بمثابة فيلسوف القرية، يعالج مشاكل الناس يروح واقعية ويستمد براهينه من الظروف والملابسات الملموسة لدى فومه، يحكى أن جماعة من التجار. العيش أتو إلى الشيخ فرح يطلبون منه أن يبيعهم كمية من محصول السنة فأحسن الشيخ فرح استقبالهم ولكنه استشارهم فى أن يهلوه حتى يأخذ برأى العيش، فذهب إلى مطمورة العيش، وانحنى كمن يخاطب العيش " يقول الخمرى الداخرك لعمرى، اتعشى بيك واصبح مشتهيك" يشير الدكتور عبد المجيد عابدين بأن هذه النادرة تدل عام المجاعة، لأنه لم يعرف عن الشيخ أنه كان بخيلا، ولكن قلة المحصول جعلته شديد الحرص، فالشيخ فرح يقول مثلا.
بيتك لاتجيه من ليالى الحر.
جاهد الأرض لأجل الملود تنكر.
ليالى تفاه يا خوى لا تنفر.
سيد العيش عزيز الرحال تنجر.
الحارت يريده ربنا القدوس.
قدحة فى المواجب تجده متردع مدروس.
فى الدنيا جابو ليه الفى الغيب مدسوس.
فى الآخرة ساقه الرسول على الفردوس.
ولعل فهم الشيخ فرح العميق للحو ادث، ونضج تجارية الذاتية، ونظرته الصوفية إلى ظواهر الكون لعل هذه الشياء خلقت منه مفكراً يسبق الحوادث بعقليته الفذة، ويرى ما لا يراه قومه حتى أنه أتى بتنبؤات لم تلبث أن تحقق بعضها، كما أنه يجب أن ندخل فى اعتبارنا ما نسجه العوام فى فترات متفاوتة، ومما ينسب إلى الشيخ فرح وتكنوك أنه قال فى زمن لم يس تعمل فيه التليفون أو السكة الحديد، "قال آخر الزمن السفر يبق بالبيوت والكلام يبقى بالخيوط وبيل نظرة فى النيل، وكأنه يصعب عليه أن يحول هذا النهر عن مجراه الطبيعى مما يترتب عليه من مشارع ومشاق، كغمر النيل للأرض الخصبة، كالجروف التى كانت مصدراً للرزق، فتنبأ الشيخ "بكرة يجوك مقطوعين الطارى، ييسكونوك الضهارى.
ويقول الشيخ فرح ودتكتوك "آخر الزمن شوف البقت. والنوق من الشيل دبرت. المحنة راحت ما قبلت. الجنى للوالدين جفت. العافى ليده ما تلفت. الحرة كالخادم مشت. مرقت برة انكشفت.
راحوا لرجال تلت الجتت. والصح دروبه انسدت. كيف يلحقوك فقرا البخت
...........................................................................................
أدب المدائح
يعتبر أدب المدائح من صميم الأدب الشعبى لأنه يعكس لنا المعتقدات الدينية والأوهام والمخاوف الغيبية التى سيطرت على العقلية السودانية فى فترة معينة فنستطيع أن نتعرف على المعانى الخلقية التى عملت على توجيه سلوك الفرد . وأدب المدائح مادة غزيرة تمكن الباحث من التوصل إلى معرفة نفسية الشعب من آمال وآلام وأمانى . ولا شك أن البيئة الزراعية وما يصحبها من تخلف فكرى لها أثر فى دفع الفرد إلى الإيمان بالغيبيات لان الفرد فى المجتمعات البدائية غالباً ما يعجز عن تفسير ظواهر الكون يخفيه قصف الرعود والعواصف فهو فى صراع دائم مع الشر ، حياته مليئة بالمخاوف والأوهام ولذلك يلجأ على الإيمان بالغيبيات فيجد لذه روحية وطمأنينة فى حياته . والمدائح التى يفيض بهال كتاب " الطبقات فى خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء فى السودان لمؤلفه الشيخ محمد ضيف الله بن محمد الجعلى الفضلى المتوفى سنة 1224 هجرية ، خير برهان على ذلك . أن تلك المدائح تكشف لنا عن نفسية الشعب السودانى فى الأزمان الغابرة من خلال المعتقدات الدينية وتقديس الأولياء والدراويش . ولدينا الآن نموذج حى لأدب المدائح فى السودان وهى قصيدة للسيد محمود الفاضل شيخ حلة المعدلاب مجلس ريفى سنار شرق الكواهله وهو من محبى الشيخ المكاشفى ، والشيخ المكاشفى من كبار الأولياء فى السودان وقد توفى منذ عهد قريب اشتهر بالعلم والزهد وملأصيته الآفاق وقد عالج اناساً كثيرين من الذين يعتقدون فى كراماتة وله " حيران " يتمتعون بكرمة الفياض . نذكر هذه القصيدة هنا لأنها تناقلتها الألسن فهى تكاد تكون ملحمة دينية تصور بطولات الشيخ من علم وزهد وورع وكرم فياض . فالمادح يشكو آلماً ممضاً فى رجله ، وبعد أن عجز فى علاجها اتجه إلى الشيخ المكاشفى حتى يزيل منه الألم ويناجيه من بعيد فى حسرة قاتلة .
يا سماع بعيد بلد الواحيه
خيل الشيخ سراع لصيحة الهوية
ما كشفت الكراع سوت الحكية .
وهنا يتوسل له المادح ويشكو له فقره المدقع .
الزمن طويل والسنة قوية
الحمل تقيل والكسب شويه
والمادح كأنه يحاول ان يقنع نفسه بأن ذلك الشيخ الجليل الذى يهلل فى الثلث الأخير من الليل والذى سبق ان عالج القوب والبرص تلك الأمراض التى عجز الأطباء عن علاجها لابد ان يجد عنده العلاج لأنه ولى يخلص لله ، فلماذا لا تستجاب دعوته .. ؟؟
فى التلت الأخير اسمعوا تهليله
القوب و البرص داوتن حفيره
يمشي بي كرعية و يسبق البطيرو .
و ينتقل المادح يعبر عي اعجابه بالشيخ فهو قد اقتنع بان الشيخ لن يطالبه باجرة العلاج لانه يعين الفقراء ، ويضمد جروح المعوزين .
عاجبانى طبيعته السمحة وظريفة .
ما دار الملك ما تتاوق للوظيفة ما كلف حور داير القطيفة وجسمه بضوى غير صابون وليفة .
البزور بجنيه والبلدى عند النادر واحد ما فرز واحدين .
والشيخ الذى يستفرع فيه المادح كل معايير المدح والإعجاب ويصفه أيضاً بانه يكف عينه عن الهدايا ومع ذلك يحل المشكلات العويصة ، فهذا ما لفت إليه الأنظار ، وجعل الأقوام تهاجر إليه من كل فوج عميق .
عينه ما بتلا حظ لى قرش الهدية
وما بتنفك غيره الشبكة القوية
جالب القيمان من بلود أم بادر
مجمع الأرواح فى مسيد النادر .
..................................................................................................
اسطورة الأبيض والأسود
" عندما كان الروح العظيم بصدد ان يخصص لكل مخلوق عمله فى الحياة استدعى إليه الرجل الأسود والرجل الأبيض ووضع أمامها صندوقين ولما كان الروح العظيم يحب الرجل الأسود فقد اعطاه أولوية الأختيار . فرأى الرجل الأسود أن أحد الصندوقين كبير وثقيل وأن الصندوق الآخر صغير وخفيف .. لذا اختار الثقيل وجاهد حتى حمله على كتفه وذهب به إلى بيته فوجدبه المعول وجرة الماء والعصا فخرج إلى الحديقة ليزرعها إلى النهر ليحمل ماءه وإلى الغابة يجمع الأشجار وما تجود به من ثمار وسخط الرجل الأبيض فى بداية الأمر لان الروح العظيم قد منح الرجل الأسود فرصة الاختيار .. وفتح الرجل الأبيض صندوقه فوجد به قلماً وورقة .. فوضع القلم هلف أذنه والورقة فى جيبه وكان كلما تعلم شيئا جدياً دونه على الورق .. ومات الرجل الأسود الأول .. وضاعت تجاربه معه ومات الرجل الأبيض الأول فبقيت تجاربه مدونه محفوظة . إن الرجل الأبيض يحقد علينا لأن الروح العظيم اعطانا فرصة الاختيار قبله .. فحرمنا من العلم والمعرفة .. وصار علينا ان نحصل على القلم والورق إلى جانب الفأس والعصا .. ".
والأدب الشعبى السودانى ملئ بالأقاصيص الشعبية والملاحم التاريخية والأساطير والأحاجى ولكن للأسف لم يعنى بها الباحثون فهى لا تزال تكتمها الصدور فى المدن والقرى ما عدا بعض المحاولات البسيطة التى يبذلها بعض كتابنا فى داخل البلاد وخارجها لنشر التراث الشعبى .
فنحن إذا ما اتجهنا إلى المسنين فى القرى لوجدنا عندهم اساطير وقصص شعبية من صميم بيئتنا السودانية تعكس لنا تاريخ بلادنا فى ثوب نظيف وتمد الأجيال القادمة بطاقة معنوية من تراث الاجداد المقدس. ان الأحاجي والحكاوي الشعبية التي تنقشها المرأة المسنة في ذاكرة الطفل، انما هي تاريخ الأجيال، وعصارة التجارب الانسانية التي اكتسبها اسلافنا في الماضي، وبلادنا غنية بالمواد الفلولكورية، والفنون الشعبية الأصلية، ذلك لأن بلادنا بطبيعتها قطر زراعي له قيمة ومثله التي تحافظ علي كيانة، وتحميه من الانقراض والفناء.
وقديما تشبعت العقلية السودانية بافكار وأديان، وحضارات. عبدنا آلهة المصريين، وانتجنا الحضارة النوبية العريقة بقيادة الفرعون النوبي السوداني بعانخي، تقلبنا الديانة المسيحية، واخيرا ارتضينا الاسلام دينا. لا شك ان هذا التراث الذي توار ثناه من الاسلاف كفيل بأن ينير الطريق للأجيال اللاحقة.
والباحث في هذا للون الشعبي يمكنه أن يعثر علي ضالته في النقشات الأثرية، والصناعات الشعبية التي لم تتأثر بالآلة، يمكنه ايضا أن يدرس الاغاني الشعبية والمدائح الصوفية، وسيجد ما يغنيه في الأساطير والقصص الشعبية ، كأسطورة تاجوج مثلا ، كما أنه يمكن للباحث أن يستقصي حكم الشيخ فرح ودتكتوك، ونوادر البصيرة ام حمد ، وبطولة ود النمير ، وشعر الحا دلو، ونوادر العجب أمه.
وتوجد ظاهرة هامه في ادبنا الشعبي ، وهي تأثر الأدب الشعبي السوداني شخصيات وحوادث الشعوب العربية الأخري. وذلك ناتج عن الهجرات العربية الكثيرة التي قامت بها بعض القبائل العربية الي السودان من طريق البحر الأحمر والبعض الآخر من طريق صحراء مصر الشرقية أو وادى النيل، فيحكم موقعه الجغرافي ، وبحكم مواقفة التاريخية من جاراته البلاد العربية ، تأثر بأقاصيص عربية شعبية أصلية، كمقصص أبي زيد الهلالي، وحكاية يونس في تونس وبطولات عنترة بن شداد فهذه الحكاوي لازالت تنتقل من ثغور الشيوخ الي الشباب في السودان، وهي أثر مادى لا متزاج تراثنا الشعبي السوداني بالتراث الشعبي منذ قديم الزمان .
.............................................................................
الزول و ما أدراك ما الزول
الزول تلك اللفظة العربية التي أصبحت تعادل كلمة سوداني في كل مهجر ومغترب ، حتى أصبحت شعاراً للسوداني ـ هي والعمامة ـ و )زول( من فصيح العربية ولها في لسان العرب لابن منظور أكثر من سبعة عشر معنى ، فالزول تعني
: (1) الكريم الجواد ، أنشد السكيت المزرد
لقد أروح بالكرام الأزوال من بين عم وابن عم أو خال
(2) والزول : الخفيف الحركات ، قال أبو منصور الثعالبي في حديثه عن الممادح والمحاسن ، حين ذكر أطوار الإنسان : فإذا كان حركاً ظريفا متوقدا فهو : زول .
(3) والزول الفتى ، قال محمد بن عبيد الله الكاتب المشهور بالمفجع يمدح علياً رضي الله عنه :
أشبه الأنبياء كهلاً وزولاً وفطيماً وراضعاً وغذياً
(4) والزّول : العجب ، ألا ترى السوداني إذا استغرب شيئا قال : يازول ؟؟ يعني ياعجبي من هذا الشيء . قال الشاعر في وصف سير ناقة .
مرفوعها زول وموضوعها كمر غيث لجب وسط ريح
فمرفوعها زولٌ يعني سيرها إذا أسرعت عجب من العجائب .
(5) والزول : الشجاع الذي يتزايل الناس من شجاعته
(6) والزول الخفيف الظريف الذي يعجب الناس من ظرفه
(7) والزول الغلام الظريف
(8) والزول : الداهية
(9) والزول الصقر
(10) والزول : معالجة الأمر كالمزاولة
(11) والزول التظرف
(12) والزول : الحركة
(13) والزولة : المرأة الظريفة ، قال الأصمعي : أنشدتني عشرقة المحاربية ، وهي عجووز حيزبون زولة … قال أبو علي : الحيزبون التي فيها بقية من الشباب . والزولة الظريفة
(14) والزولة : المرأة البرزة (الجميلة) الفطنة الذكية ، قال الطرماح بن حكيم :
وأدت إليّ القول منهن زولة تلاحن أو ترنة لقول الملاحن
والملاحنة هي الفطنة ، فهذه تتكلم بما يخفى على الناس ولا يفهمها إلا الفطن .
(15) والزولة : الفتية من الإبل أو النساء ، قال رؤبة بن العجاج :
قد عتق الأجدع بعد رق بقارح أو زولة معق
(16) ووصيفة زولة : إذا كانت نافذة في الرسائل
(17) ويقولون فلان رامي الزوائل : إذا كان خبيرا بالنساء ، قال الشاعر :
وكنت امرأً أرمي الزوائل مرة فأصبحت قد ودعت رمي الزوائل
ففتى، زول وفتاة ،زولة ، وفتية أزوال ، وفتيات زولات ، ونسوة زوائل . وبقي معنى ثامن عشر عليكم به في بطون الكتب .
والفقهاء .والزّول السمح فات الكبار والقدرو
...........................................................................................
( الزواج )
الزواج من أهم المناسبات الإجماعية التي تتضح فيها معالم التمازج وتباين الإرث الثقافي العربي الأفريقي تختلف مظاهر الاحتفال بمراسم الزواج من منطقة إلى أخرى تبعاً للتكوين القبلي ففي شمال البلاد نجد بعض ملامح التأثر بالحضارة النوبية القديمة و أثار الحضارة الفرعونية ، أما في الشرق فتتميز مراسم الزواج بالبساطة ويغلب عليها طابع البداوة وفي الوسط تظهر معالم المدنية وعوامل تأثير الحضارة الحديثة ، أما في غرب البلاد فتتباين مراسيم الاحتفال بالزواج تبعاً لاختلاف التكوين العرقي فهنالك بعض القبائل ذات الأصول العربية واخري يغلب عليها العنصر الأفريقي وابرز ما يميز مراسيم الزواج عند القبائل الجنوبية الطابع الاحتفالي البهيج المتمثل في حلقات الرقص علي أنغام الطبول وتتميز مناطق السودان الغربي والجنوبي بتعدد ثرواتها الزراعية والحيوانية لذا نجدهم يقدمون مهراً عيناً وهو عبارة عن قطعان من الماشية خاصة الأبقار وتستمر مظاهرالاحتفال بالزواج عند كل القبائل السودانية لعدة أيام تتعدد فيها الطقوس ومظاهر الفرح
.....................................................................................................
نواصل